كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قد رأيت أنّ الأمانات عامة واجبة الأداء، لا فرق بين واحدة منها وواحدة، ولابد من دفعها إلى أهلها عند طلبهم إياها، وأما حكم الأمانة في حال الهلاك، وأنها مضمونة أو غير مضمونة، أو بعضها مضمون وبعضها الآخر غير مضمون، فنحن لا نعرض له، لأنّا نراه لا يتصل بالآية، ومردّه إلى أدلته في كتب الفقه.
{وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.
إقامة العدل بين الناس أمر تقتضيه طبيعة العمران، وتشهد به بداية العقول، ولابد للمجتمع الإنساني منه، حتّى يأمن الضعيف سطوة القوي، ويستتبّ الأمن والنظام بين النّاس.
ومن أجل هذا تجد الشرائع السماوية تنادي بوجوب إقامة العدل، قال تعالى في كتابه الحكيم: {وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل: 90] وقال: {وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} [الأنعام: 152] وقال: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} [المائدة: 8] وقال: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26].
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه أنس عنه: «لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت، وإذا حكمت عدلت. وإذا استرحمت رحمت».
وقد ذمّ اللّه الظلم والظالمين في آيات كثيرة قال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} [الصافات: 22] وقال: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] وقال في عاقبة الظلم: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} [النمل: 52] ومن الظلم الحكم بغير ما أنزل اللّه.
وقوله تعالى: {وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ} مشعر بأنّه لابد للناسي أن يوجد فيهم من يحكم بينهم. وقد دلت الأدلة على أنّ الحكم لإمام المسلمين، يقضي بين الناس بما يراه موافقا للشرع {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} أي نعم شيء يعظكم، أو نعم الذي يعظكم به، والمخصوص بالمدح محذوف، يرجع إلى المأمور به من أداء الأمانات، والحكم بين الناس بالعدل.
{إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} يبصر ما يكون منكم من أداء الأمانات وخيانتها فيحاسبكم عليه، ويسمع ما يكون من حكمكم بين الناس فيجازيكم به.
قال اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} لمّا أمر اللّه الولاة بأن يسيروا في حكمهم بين الناس على مقتضى العدل، وكان العدل لا يتحقّق إلا أن يلتزمه الناس، قال اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} إلخ وقد اختلف المفسّرون في المراد بأولي الأمر، فذهب بعضهم إلى أنهم أمراء المسلمين، فيدخل فيهم الخلفاء الراشدون، والملوك والسلاطين، والقضاة وغيرهم، وذهب بعضهم: إلى أنّهم أمراء السرايا، وقال آخرون: إنّهم العلماء الذين يفتون في الأحكام الشرعية، ويعلمون الناس دينهم.
وذهب الروافض إلى أنهم الأئمة المعصومون، بل لقد غلت طائفة منهم وزعمت أن المراد من أولي الأمر علي بن أبي طالب وحده.
ونحن نرى أنه ليس ما يمنع أن يكون الجميع مرادا عدا ما ذهب إليه الخوارج، فالخلفاء واجبو الطاعة، وأمراء السرايا واجبو الطاعة، والعلماء واجبو الطاعة، كل ذلك واجب، ما لم يكن إلمام بمعصية، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ويرى الفخر الرازي أنّ المراد من أولي الأمر أهل الحل والعقد، ويريد من ذلك أن يستدل بالآية على حجية الإجماع، وهو يدعم رأيه هذا بأنّ اللّه ذكر ثلاثة، واجبة طاعتهم: اللّه، ورسوله، وأولو الأمر، واللّه ورسوله مقطوع بعصمتهم، فوجب أن يكون أولوا الأمر كذلك، ولا نجد من أولي الأمر على ما ذكره المفسرون من هو واجب العصمة إلا أهل الحل والعقد عند اجتماعهم على أمر من الأمور، «لن تجتمع أمتي على ضلالة».
فينبغي أن يكون المراد من أولي الأمر أهل الحل والعقد، ويكون ذلك دليلا على حجية الإجماع.
وقد ذكر اللّه الأمر بطاعة اللّه والأمر بطاعة الرسول وأولي الأمر، ثم أمر برد ما يتنازع فيه إلى اللّه والرسول، جعل ذلك محقّقا للإيمان باللّه ورسوله واليوم الآخر، ووصفه بأنه خير وأحسن مآلا، وذلك يقتضي أن يكون الردّ إلى اللّه والرسول غير طاعة اللّه والرسول، وإلا كان ذلك تكرارا محضا، إذ يؤول الكلام إلى أطيعوا اللّه والرسول وأولي الأمر، فإن تنازعتم في شيء فأطيعوا اللّه والرسول وذلك لغو ينزّه القرآن عن مثله إذ لو اقتصر على قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} لفهم الأمر بالطاعة في كل الأحوال.
وأيضا فإنّه كيف يتأتّى النزاع في أمر علم حكم اللّه ورسوله نصا فيه؟ إن ذلك يكون خروجا عما يقضي به الأمر بالطاعة، ومن أجل ذلك قيل: إنه يجب أن يكون الأمر بطاعة اللّه ورسوله فيما ثبت نصا عنهما أنه حكم اللّه في كتابه أو سنة رسوله، فأما ما لم ينصّ فيهما على حكمه فهذا الذي يصحّ أن يتنازع الناس في حكمه، لأنهم لا يجدون نصّا يلزمهم طاعته، وبما أنه لا يمكن أن يحوي الكتاب ولا أن تحوي السنة نصوص الأحكام في أشخاص المسائل، إذ أشخاص المسائل لا تتناهى. فجاز أن تكون حوادث لا نجد لها حكما في كتاب ولا سنة، فهذه هي التي قال اللّه لنا فيها:
{فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أي فارجعوا فيه إلى ما في الكتاب والسنة من أحكام- حيث يكون الحكم قد ورد من أجل حكمة ناط الشارع بها الحكم، ورتّبه عليها، وحيث تجدون هذه الحكمة فيما جدّ لديكم من الحوادث- تعلموا أنّ هذا الحكم الذي في الكتاب أو السنة مرتبا على هذه العلة هو حكم اللّه في كتابه أو سنة رسوله فيما جدّ من الحوادث.
وهذا هو القياس الذي فهمه معاذ رضي اللّه عنه حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى اليمن، وأقرّه الرسول عليه، حيث روي أنه قال: «كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟».
قال: «أقضي بكتاب اللّه».
قال: «فإن لم يكن في كتاب اللّه؟».
قال: «أقضي بسنة نبي اللّه».
قال: «فإن لم يكن في كتاب اللّه وسنة رسول اللّه؟».
قال: «أجتهد رأيي لا آلو».
قال: فضرب على صدره وقال: «الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه إلى ما يرضي رسول اللّه».
وإذا جرينا على ما رآه الفخر الرازي من تفسير أولي الأمر: بأهل الحل والعقد تكون الآية دالّة على حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وفي قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ما يشعر بكون المتنازع فيه مما لا نص فيه، وإلا كان واجب الطاعة، غير محل للنزاع كما قدمنا.
وقد يقال: كيف قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وطاعة رسوله هي طاعة اللّه {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
قيل: ذلك إيماء إلى الكتاب والسنة، فالكتاب إلى اللّه، والسنة إلى الرسول، وإن كان الكلّ من عند اللّه.
{فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} التنازع: الاختلاف مأخوذ من النزع، الذي هو الجذب، لأنّ كلا من المتنازعين يجذب الحجة من صاحبه.
{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وعيد من اللّه لكل من حاد عن طاعة اللّه ورسوله، والردّ إليهما عند الاختلاف، وهو في معنى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65].
{ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، اسم الإشارة يرجع إلى ما أمروا به من طاعة اللّه ورسوله، والردّ إليهما عند المنازعة.
والتأويل: المآل والعاقبة.
قد يؤخذ من الآية التي معنا أنّ أدلة الأحكام الشرعية أربعة لا غير، وهي:
الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وإنّ غيرها لا يصحّ التعويل عليه في إثبات الأحكام، ولا الردّ إليه عند النزاع، لأنّ الأحكام إما منصوصة في كتاب أو سنة، وذلك قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وإما مجمع عليها من أولي الأمر بعد استنادهم إلى دليل علموه، وذلك قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وإما غير منصوص ولا مجمع عليها، وهذه سبيلها الاجتهاد، والرد إلى اللّه والرسول وذلك هو القياس، فما أثبته الفقهاء والأصوليون غير هذه الأربعة كالاستحسان الذي يراه الحنفية دليلا، وإثبات الأحكام الشرعية تمشيا مع المصالح المرسلة الذي يقول به المالكية، والاستصحاب الذي يقول به الشافعية كلّ ذلك إن كان غير الأربعة فمردود بظاهر هذه الآية، وإن كان راجعا إليها، فقد ثبت أنّ الأدلة أربعة.
قال اللّه تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}.
تحرير رقبة: التحرير عبارة عن جعل العبد حرا، والحرّ في الأصل الخالص، وإنما سمي به من ليس رقيقا لأنّه خالص مما يكدر إنسانيته.
الدية: قال الواحدي: الدية من الودي كالشية من الوشي، والأصل ودية، فحذفت الواو، يقال ودى فلان فلانا أدى ديته إلى وليه، ثم إنّ الشرع خصّص هذا اللفظ بما يؤدّى في بدل النفس دون ما يؤدّى في بدل المتلفات، ودون ما يؤدّى في بدل الأطراف.
وقوله: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}.
معناه: وما كان جائزا لمؤمن قتل مؤمن إلا خطأ، والاستثناء فيه قيل: إنه منقطع بمعنى لكن، كقوله: {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً} [النساء: 29] وقيل: إنه متصل، وهو مستثنى مما يستلزمه وقوع المنهي عنه من الإثم، كأنّه قيل: لا يقتل المؤمن المؤمن فإنه إثم، إلا الخطأ فلا إثم عليه.
وقيل: إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا، والأصل: وما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ، كقوله: {ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ} [مريم: 35] وقوله: {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} [النمل: 60].
وإنما حملت هاتان الآيتان على خلاف الظاهر، لأنّ اللّه لا يحرم عليه شي ء، وإنما ينفى عنه ما لا يليق به، ولأنّ اللّه لم يحرّم عليهم أن ينبتوا شجرها، وإنما ينفي عنهم إمكان أن ينبتوا شجرها، والذي حدا بالقائلين إنه استثناء منقطع إلى القول به أنه لو كان متصلا، وما قبله نفي لجواز القتل، لكان مقتضيا أنّ القتل خطأ جائز.
وانتصاب خطأ إما على أنه مفعول لأجله، أي ما كان له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ، أو على أنّه صفة لمصدر محذوف، أي قتلا خطأ، أو على أنه حال بتأويله بمخطئ.
ثم لما ذكر اللّه قتل الخطأ بيّن حكمه فقال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ} أي فعليه تحرير رقبة، ودية مسلمة إلى أهله، إلا أن يصدقوا بالدية، أي إلا أن يعفوا، وسمي العفو صدقة، لأنه معروف، وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة».
وسبب نزول هذه الآية ما كان من عيّاش بن أبي ربيعة، أخرج ابن جرير عن السدي {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} قال: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان أخا لأبي جهل بن هشام لأمه، وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام، ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي، فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحبّ إخوته إلى أمه، فكلّموه وقالوا: إنّ أمك قد حلفت ألا يظلّها بيت حتى تراك، وهي مضطجعة في الشمس، فإنها لتنظر إليك، ثم أرجع وأعطوه موثقا من اللّه لا يحجزونه حتى يرجع إلى المدينة، فأعطاه بعض أصحابه بعيرا له نجيبا، وقال: إن خفت منهم شيئا فاقعد على النجيب، فلما أخرجوه من المدينة أخذوه فأوثقوه، وجلده العامري، فحلف ليقتلن العامريّ، فلم يزل محبوسا بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامري، وقد أسلم، ولا يعلم عياش بإسلامه، فضربه فقتله، فأنزل اللّه: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فيتركوا الدية.